حكاية فرح
خالد مجدي رضوان
1- زلزال
فصل الصيف عام 1975إحدي قري محافظة المنوفية
ترك عامر ابنته فرح في منزل شقيقة الوحيد رأفت حيث تعاني فرح من ألام شديدة جراء كسر في إحدي ذراعيها و ذهب الي بندر شبين الكوم بصحبة زوجتة ام ابنائة فرح و فارس لشراء بعض مستلزمات المنزل الضرورية.
لم تكن تعلم فرح ذات الخامسة عشر ربيعاً بأن القدر يعد لها مفاجئة يعجز عقلها عن تخيلها حيث أثناء سفر عائلتها الصغيرة سقطت سيارة النقل الجماعي التي تقل عائلتها في عمق مجري الماء المجاور لطريق سفرهم وأسفر ذاك السقوط عن مقتلهم جميعاً ليتحول إيداع فرح المؤقت في بيت عمها الذي كان من المقرر له أن يكون بضعة ساعات الي إيداع كلي تقضي فية المتبقي من عمرها.
لم يظهر علي وجه رأفت او بعض من سلوكياتة ما يعبر عن حزنة وألمة جراء فقدان شقيقة ولم ينتظر حتي تنتهي أيام العزاء التي يطول عددها في الريف لكي يفصح عن نشوتة التي طغت علي ملامح وجهة فهو الفائز بالجائزة الكبري حيث أصبح شريك أساسي بنسبة الثلث في ميراث شقيقة المتمثل في قطعة الأرض المشيد عليها منزلة وعدد من القطع الزراعية والثلثين المتبقيين سيكوناً من نصيب فرح وحدها وهو أيضاً الوصي الشرعي عليها و المتحكم في مجريات الأمور لحين بلوغها سن الرشد بعد ستة سنوات.
علي الرغم من الرزق الذي أعطاه الله لرأفت من الميراث ال إنة لم يكتفي بما قسم الله له بحلالة فأعد وثيقة قانونية صحيحة بمساعدة بعض مختصين الأمر أصحاب النفوس الدنيئة تفيد بتنازل فرح لة عن قطعة الأرض المقام عليها منزل أبيها مقابل مجهوداتة الإشرافية في إدارة حصتها في المساحات الزراعية التي تخصها من ميراث والدها علي أن يقوم بشكل دوري بإيداع مكاسب حصة فرح من الأرض الزراعية في حسابها البنكي المعد بواسطة المجلس القضائي الحسبي لتتسلمة عندما يحين رشدها القانوني ولم تنتهي الغنائم التي سطا عليها رأفت عند هذا الحد فمستحقات فرح القانونية المالية المتمثلة في المعاش الشهري عن والديها اللذان كانا يعملان في الوظائف الحكومية أصبح جزء لا يتجزأ من المصروف الشهري لعائلة عمها طالما فرح تقيم في منزله الخاص بين عائلتة اما مكافأة نهاية خدمة والديها الحكومية لم يستطيع أن ينال منها شيئاً حيث انتقلت متجمدة الي المجلس الحسبي لتتسلمة فرح أيضاً حين يهل ميعاد رشدها حسب القانون الوضعي.
لم تكن لدي فرح المكلومة أي حيلة تقدمها في وقف نزيف مقدراتها الذي أساله عمها بالباطل حيث ان ما أتممة من وثائق قانونية و أدوار مجتمعية ظاهرياً شيئاً يستحق علية الشكر والثناء بعدما رسم صورة لنفسة امام أبناء قريتة بأنة ملاك البشر المعظم بالإضافة لكون والدة فرح وحيدة ليس لديها أشقاء من الذكور ولن يقبل المجتمع الريفي أن تقيم فرح في بيت إحدي خالاتها و يرعاها رجل غريب عنها في ظل وجود عمها الشقيق.
أقنع رأفت نفسة بأن ما فعلة هو المقابل المادي الطبيعي مقابل رعايتة لكافة شئون إبنة أخية الشخصية خاصة أنه في حاجة لتلك الغنائم حيث إنة قليل الحيلة في كسب المال ويريد أن يؤمن لأبنائة الخمسة بعض الانفتاح في رغد العيش وتأمين المصروفات المالية اللازمة لإتمام زواجهم مستقبلاً فأقتنع ضميرة بأن ذالك الاستيلاء هو حق أصيل مكتسب لدية.
اما علي الجانب الأخر ف قد أصيبت بغصة غليظة في قلبها ولم تقتنع بجلل ما أصابها الا حينما عاصرت مشهد إيداع أعز الناس علي قلبها في مثواهم الأخير والدموع تنهمر من عينيها كأمطار يناير الغزيرة وتعاظم قهرها و حسرتها حينما هبط مقام عمها في نظرها بعدما تيقنت من فواعلة , فمن المفترض أن يكون عنوان شخصيتة النخوة والقوامة و الأحتواء في مثل تلك الأقدار الا انها لم تجني الا غصة قلبها وخيبة رجائها.
تيقنت فرح بين طيات نفسها بأن ما تم الاستيلاء علية بواسطة عمها ظلماً وعدواناً هو ضريبة مؤلمة مبالغ فيها غير مستحقة عليها ولكنها مجبرة علي تحملها وتسديدها مهما كان مدي تضررها سواء النفسي او المادي نتيجة لوضعها الاجتماعي الجديد وكونها في حاجة لوجود افراد بجانبها تتمني أن يكونوا فيما بعد السند والصحبة الطيبة والعوض لها عن فقدان عائلتها التي رحلت دون إنذار مسبق او دلالة تعبر عن إقتراب رحيلهم فتمكنت الطمأنية الحذرة منها بعض الشييء في انتظار ما سوف يهدية إليها القدر المجهول.
لم يكتفي القدر بما أحدثة في فرح وأكشف لها المزيد من فواجعه حيث لم يسمح لها عمها بتوجية من زوجتة بإستكمال تعليمها الثانوي رغم تفوقها تمهيداً لدخولها مرحلة التعليم الجامعي فيما بعد مثلما كانت تحلم و تخطط مع والدها الراحل وذالك حرصاً علي عدم إثارة مشاعر الغيرة والاحساس بالدونية في قلوب بنات عمها الثلاثة الأصغر منها في العمر اللواتي لم تعرف إحداهن طريقاً للمدارس قط ولا تستطيع أي منهن القراءة والكتابة ولم تتخطي أقدامهن أي مكان خارج حدود قريتهم يوماً ما فكانت الحجة المقنعة نسبياً بأن تكاليف التعليم الثانوي وتكاليف السفر للمدرسة الثانوية في البندر بشكل متكرر باهظة الثمن ولا جدوي من ذالك طالما سينتهي المطاف للفتاة الريفية الزواج والتفرغ لرعاية بيتها.
أثناء إقامة فرح في بيت عمها تم تكليفها من زوجة عمها بالأعمال الشاقة المنزلية المتكررة الواجب عليها تنفيذها يوميا بلا تأخير أو نقصان فهي الأكبر سناً بين الفتيات وفي حالة التراخي البسيط المعذور كانت تتلقي فرح وفير الذم والإهانة دون وجود كلمة شكر او إطراء حال إنجازها المهام كما هو المطلوب ولم تجد أي سبيل للرفق و الحماية من عمها.
بعد مرور عدة أشهر استسلمت فرح لقدرها المحتوم ولكنها كل ليلة قبل ميعاد نومها المحدد تغرق في أحلام اليقظة التي كانت تعد لها سلفاً مع أبيها الراحل وتتداخل بداخلها مشاعر الإحباط و لكن لم ينقطع الأمل بداخلها بأن الغد قد يحمل لها ما هو مجهول ما يحررها من قيدها القهري ويعاونها علي تحقيق حلمها.
أستيقظت فرح في اليوم التالي متأخرة عن موعدها المعتاد فتملك الخوف منها حيث كانت تعتقد بأنها ستنال جزء من جبروت زوجة عمها ولكنها وجدت عمها ينتظرها وسط قطعة الأرض الزراعية الخضراء الصغيرة المواجهة لمنزله بصحبة زوجتة يتناولان طعام الإفطار بمفردهما فتوددت إليهما بحذر ولكنها تلقت معاملة ناعمة علي غير المعتاد و المتوقع منهما وما أن جلست معهماً حتي أخبرها عمها بأنة سيزوجها من إبنة الأكبر فرج الذي يسبقها في العمر ببضعة شهور والذي يعمل عامل زراعي بنظام اليومية المالية.
تلقت فرح طلب عمها بضحكة استنكارية بصوت عالي متصاعد ثم تمتمت بكلمات اعتراضية كالفتاة الصغيرة البلهاء التي لا يفهم فحواها أحد سواها فانتهز عمها و زوجتة تلك الحالة وأعتبراً ضحكها علامة القبول علي غير الواقع اللذان يتيقنان منه جيداً وأخبراها بأن موعد إتمام زيجتها سيكون خلال الأسبوعين القادمين.
ترك الزوجين فرح تتناول طعام إفطارها بمفردها من بقايا طعامهما ولكنها لم تتناول الطعام بل كانت تنظر إلي البقايا والدموع تنهمر من عينيها وتعلن بين طيات نفسها بيان الاستسلام العظيم لواقعها المعاصر بدون مقاومة تذكر وتقرأ الفاتحة علي روح أحلامها التي تبخرت.
في غضون عشرة أيام كان رأفت قد شيد للعروسين غرفة نوم مصحوبة بحمام خاص بهما أعلي منزله وأتم تجهيز أثاث جديد لتلك الغرفة و أيضا قام بشراء بعض الملابس الجديدة للجميع من أموال فرح التي أصبحت من ممتلكاتة الأصيلة.
أظهر رأفت معالم إشهار الزيجة بين أبناء قريتة دون يحرر أي مواثيق رسمية أو حتي عرفية ثبت زواج الابناء وذلك حتي تحتفظ فرح بنفقات معاشها المالي الذي تتحصل علية من الدولة الذي أنقض علية حيث في حالة زواجها بشكل موثق ستنقطع أموال معاشها ويصبح زوجها فرج هو المسئول عن النفقات وذلك دون أن تدري فرح بما فعلة عمها أو يكن لديها معرفة بطبيعة حقوقها او الإجراءات الواجب فعلها في مثل تلك الأمور.
كانت فرح تشمئز من فرج الذي لم يهتم بنظافتة الشخصية يوماً حيث كان يعتقد انها بلا جدوي طالما سيتكرر تعرقة واتساخة بشكل يومي فلم يقم بنظافة جسده الا في أوقات الراحة والأجازات الرسمية ولكن كان ما يهون علي فرح هو طباع فرج الهينة اللينة البسيطة وبراعتة في إلقاء النكات و انتزاعة ضجيج الضحكات من أفراد عائلتة وأصدقائة فتقبلت نفسها علي مضض عيب فرج متوسمة فية أن يصبح زوجاً حنوناً عليها.
علي الرغم من اعتقاد فرج بأنة قد أتم ما يستلزم فعلة من اجراءات النظافة المفروضة علي الرجال في يوم التزاوج الا ان فرح لم ترتضي بما أنجزه فعندما أقام فرج بما هو متبع بين الأزواج في ليلة الزفاف كانت فرح علي مقربة من التقيؤ جراء رائحة جسده المنفرة ولهيب أنفاسة الحارقة الكريهة المتصاعدة وشعرت بأنها دجاجة تعيش وسط أكوام القمامة المتحللة ينهش في لحم جسدها منقار ديك جائع فكانت تعتبر دقائق الحميمية مع زوجها بمثابة عقاب إضافي أجبرها القدر علي تذوقة وتنتظر اللحظة التي ينتهي فيها فرج من أخذ غرضة منها.
بعد مرور بضعة أيام كان الزوجين بمفردهما ليلاً ويستعد فرج لأداء واجبة الحميمي مع زوجتة الا ان انقطاع التيار الكهربائي في غرفتهم فقط قد عكر صفو سعادته حيث كان مصدره السرقة وليس كما هو متبع من اجراءات قانونية تؤدي الي انشاء مصدر شرعي وسليم منتظم للتيار الكهربائي فبدأ فرج في البحث عن سبب الانقطاع الا أن صعقة كهربائية أصابتة جراء جهلة بفنيات التيار وشدتة حيث لم يتمكن الصبر منه للانتظار حتي الصباح واستدعاء فني متخصص يصلح عوار انقطاع التيار المسروق.
حينما أخبرت فرح عمها بما أصاب زوجها كان قد أصبح فرج في تعداد الأموات فكان رد فعل زوجة عمها تجاهها هو الضرب المبرح اعتقادا منها للوهلة الأولي بأنها السبب في وفاه نجلها وقامت بحبسها في غرفة الحمام بمفردها بعد ان فتكت بها و تركتها دون طعام أو شراب تبكي وتنوح من ألمها حتي انتهاء مراسم الدفن.
في اليوم التالي قرر عمها بتحريض من زوجتة طرد فرح من المنزل حيث اعتبرتها مصدراً للدمار حيث يموت كل من يرتبط بها حيث مات جميع أفراد عائلتها سابقاً ثم زوجها أول أفراد عائلتها الجديدة الذي كان بمثابة العكاز الذي ينوي رأفت الاعتماد علية في مكبره خاصة ان ابنه الذكر الأخر هو أصغر ابنائة مازال طفلاً يخطو خطواتة الأولي.
خرجت فرح من بيت رأفت تجر ورائها خيبات نحسها واستئجرت مخزن مستقطع من منزل أبيها السابق الذي اشتراه منها رأفت سابقاً ظلماً و عدواناً مقابل ادارتة لأعمال أرضها الزراعية والذي قام بتعديل غرف المنزل الي عدة مخازن صغيرة قام بتأجير كل مخزن لأحد تجار القرية بشكل مستقل ليخزن فية البضاعة الزائدة عن حاجتة وكانت إقامة سوسن في أقل تلك المخازن من ناحية الجودة نظير الجزء الأعظم من أموال معاشها وكانت تحصل من عمها علي الفتيت المتبقي من المال لكي تنفق منة علي أقل ضروريات احتياجاتها بمفردها دون أن تتخالط مع أفراد عائلتة بأي شكل من الأشكال حيث كان كل مع بداية الشهر الميلادي يرسل إليها عمها ذاك الفتيت عن طريق إحدي بناتة التي كانت تقذف في وجهها النقود دون أن تتفوه بكلمة ثم تغادر مسرعة.
أمضت فرح بضعة شهور بمفردها داخل المخزن كالفتاه التي أمضت عشرة سنوات من زهرة شبابها في المحبس تنام علي فراشها بجانب المصباح تذرف دموع الوحدة والضعف لاتترك مضعجها الا حين تذهب للخلاء لقضاء حاجتها حيث صدر عمها للكافة بداخل قريتهم بأنها الفتاه الجالبة للنحس والخراب التي يجب ان يتجنبها العموم فأصبحت تهاب مخالطة عموم الناس لتتحاشي نظراتهم المحتقرة لها ولتجنب لسماع سوء مفرداتهم التي ينعتونها بها فنتج عن ذاك النفور تلعثمها في الحديث حتي لو تحدثت لنفسها بمفردها حيث لم يعد يقوي لسانها علي أداء وظيفتة بفاعلية نتيجة ندرة استخدامة ولضعف ثقتها في نفسها فكانت تخرج من محبسها مرتين شهرياً لشراء متطلباتها متخفية من وراء نقاب لاتتحدث الا بأقل الكلمات عدداً عند الضرورة وكان متنفسها الوحيد في الحياة مشاهده شروق الشمس أو غروبها لاغير.
خلال تلك الشهور أعادت فرح ترتيب أوراق حياتها و قررت أن تنتبة لنفسها وتحاول أن تنعش في نفسها حلمها القديم حيث تقدمت للدراسة في المدرسة الثانوية العامة دون أن تخبر أحد ولكنها لم تملك المال الكافي لإتمام متطلبات الدراسة من السفر و تكاليف مجموعات التقوية فكان اعتمادها علي نفسها بشكل كلي في استذكار دروسها فلم تري مدرستها في البندر التابع لها قريتها الا حينما قدمت أوراق قبولها في المدرسة واستلمت الكتب الدراسية المجانية وعند انعقاد الاختبارات النهائية فقط.
لم يكتفي القدر بكم الفواجع الذي أعطاه لفرح بل زاد في عطاياه عليها بأن أهداها الرسوب في السنة الاولي لها في الثانوية العامة فتملك الإحباط منها لبضعة أيام اشتهت فيهم الموت وتبدل قلبها من الأمل والإصرار الي حجر أسود غليظ متوهج لا يري الا القهر و الإحباط لكنها مع مرور الوقت استعادت توازنها و عادت إليها العزيمة لتحقيق أهدافها التي طالما تمنتها منذ الصغر مهما كلفها الأمر ومهما طال الزمان.
قررت فرح أن تتجه الي الدراسة بالمدرسة الثانوية التجارية حيث المواد العلمية الخفيفة والتكاليف المنخفضة وسهولة الاعتماد علي نفسها دون مجموعات تقوية في تحقيق إتمام الشهادة الثانوية التجارية تمهيداً للبحث عن وظيفة حكومية جيدة تتطلب مؤهل متوسط فقط.
في ذاك الاتجاه بدل القدر نهج عطاياه لفرح فكانت المفاجئة التي أرسلها لها بعد مرور ثلاثة سنوات عندما أصبحت في نظر القانون رشيدة وأتمت واحد وعشرون عاماً حيث كان موعد ظهور نتيجة الشهادة الثانوية التجارية فكانت فرح صاحبة المركز الأول علي مستوي المحافظة بأكملها.
كانت تظن فرح بأنها سوف تحصل علي الشهادة بشكل مريح مما جعلها تطمئن بشكل نسبي ولكن هول المفاجئة جعلها تضحك تارة و تصمت مبتسمة تارة أخري وتبكي مرات عديدة وعلي العكس من شعور فرح النبيل كان النقيض هو شعور عائلة عمها بأكمله حيث حينما تحررت من اختفائها ونقابها لأول مرة امام كافة العوام و ذهبت تعتليها البهجة لعمها في منزله تخبره بتفوقها طمعاً في مباركتة واحتفاله بها الا انة استنكر بين طيات نفسة قيامها بحصولها علي شهادة تعليمية متوسطة تجعلها في وضع أعلي منه ومن فراد عائلتة مجتمعين فقام بتوبيخها لكونها أتمت تعليمها علي غفلة منه ولم تخبرة ثم طردها من منزلة عقاباً لها وسط صمت ومباركة زوجة عمها وابنائة الأربعة.
غادرت فرح تجر من خلفها الوجع و الندم تتساقط الدموع من عينيها القطرة تلو الأخري بعدما تناست بأن من يأكل مال اليتيم لا تننظر منه معروفاً وعند مشاهدتها غروب الشمس قبل نهاية اليوم بدأت تفكر فيما يجب عليها فعلة في الفصل التالي من حياتها ولكنها قررت الا تتسرع في اتخاذ قرار يخص حياتها دون تفكير عميق تكن حينة في حالة إتزان نفسي.
استيقظت فرح صباح اليوم التالي علي دقات باب المخزن الذي تقيم فية متبوعة ببعض من الضوضاء و مع فتح بابها وتيقنها الأمر تعددت المشاعر بداخلها حيث كان بعض رجال الصحافة التابعين لأحدي الجرائد الحكومية الرسمية يريدون عمل لقاء صحفي فوتوغرافي معها فتملكت منها الفرحة العميقة الممتزجة بالفخر والاعتزاز تلك المشاعر التي غابت عنها منذ سنوات عديدة واعتقدت بأنها لن تعود مرة أخري ولكن عكر صفو مزاجها تواجد عمها الذي أرشد الضيوف عن مكان إقامتها ذاك المكان الذي شهد إقامتها بمفردها لكي تنال بعض من الخصوصية و تراجع دروسها بتركيز دون ضجيج شغب ابنائة الصغار حيث يباشر شئون حياتها بشكل يومي هو و زوجتة التي تعد لها الطعام بشكل دوري منتظم حسبما أخبر رأفت الضيوف الذين أثنوا علي موقفة الكريم.
أصطحب رأفت معة كامل أفراد عائلتة الذين أظهروا لسوسن مظاهر الود أمام الضيوف خاصة اثناء التقاط الصور الفوتوغرافية المشتركة حيث بادرها عمها بقبلة علي جبينها و أمطرها بكلمات الثناء و التفاخر بها وأطلقت زوجتة العديد من الزغاريد الاحتفالية واحتضنها بنات عمها احتضان الأخوات اللاتي ألتقين بعد غياب اما ابن عمها الصغير فنعتها بالدكتورة أثناء مباركتة لها.
أرادت فرح ان ترد لعائلة عمها الصفعة وتطردهم من مسكنها امام الضيوف الا ان ذكائها أرشدها لفعل أخر محدد وأيضاً رفضت ذالك لعدم تشوية الصورة العامة الروتينية لمظاهر الفرح والترابط الأسري امام العامة ولتنفيذ مرادها الكامن براخلها.
تيقنت فرح بشكل كلي بأن لا خير في عمها ويجب عليها الأن بعد وصولها للرشد ان تتحرر من الارتباط بعمها بأي شكل وبلا رجعة فشددت علي المحررين أن يدونوا في تقريرهم عنها مدي شهامة و قوامة و عطف عمها عليها و كونة صاحب الفضل عليها في ربايتها وتفوقها بعد ربها وإنة كان يحافظ علي مقدراتها بشكل جيد وسيبادر مشكوراً بتسليمها تلك المقدرات المؤتمن عليها في القريب العاجل بشكل رسمي امام المجلس الحسبي بكل هدوء وبلا أي منغصات خلال الأيام القليلة القادمة.
استقبل محافظ المنوفية فرح والمتفوقين امثالها أصحاب المراكز العشرة الاوائل في مكتبة وأعطي لكل منهم شهاده تكريمية ومنحة مالية وأعطاهم الحق في التقدم للمرحلة الجامعية والالتحاق بكلية التجارة في جامعة المنوفية في حال كانت لديهم الرغبة في ذلك ونظم لهم رحلة ترفيهية ثقافية مجانية لمدة يومين لزيارة معالم مدينة القاهرة تبادلت خلالها فرح الحديث والخبرات مع زملائها بشكل مكثف لم تعهدة من قبل و بدأت في انشاء علاقات اجتماعية مع العديد من الأشخاص فاستقر بها العزم بلا تفكير طويل علي الانتقال من قريتها والاستقرار في قاهرة المعز والالتحاق بكلية التجارة في جامعة القاهرة علي ان تنضم لاحقاً لشعبة المحاسبة حيث أبهرتها ضوضاء المدينة وأضوائها ووفرة الخدمات وسهولة الحصول عليها ووجود فرص العمل المتعددة وانشغال البشر بأحوالهم دون التدخل في حياه الأخرين فتولد بداخلها اليقين بأن حالها في القاهرة مهما عاصرت فيها من أزمات سيكون أفضل بكثير من حياتها خلال سنواتها الستة الاخيرة لتبدأ حياة جديدة شعارها الحرية و تحقيق الذات.
قبل أن تغادر فرح قريتها في نهاية شهر اغسطس عام 1981 بدأت في إنهاء كافة ارتباطها بقريتها واستلام تركتها من عمها الذي لم يتخذ خطوات تعرقل اجراءات انهاء وصايتة عليها لتيقنة بأنة مهما تعددت ألاعيبة الخاصة المعرقلة فأن فرح بقوة القانون ومع انشائها علاقات اجتماعية متعددة في قاهرة المعز مع أشخاص ذات مناصب عليا سيكون لديها المقدرة علي حسم الامور لصالحها بفضلهم بالإضافة لكونة لا يريد أن يخسر الصورة الملائكية امام عوام الناس التي أفني عمرة لتحقيقها وأيضاً حتي يترك لة عند فرح صورة جيدة حتي وإن كانت قليلة للغاية تقترب للمعندمة تكون نواه لأي علاقة انسانية قد تجمعهما مستقبلاً.
تسلمت فرح كافة مقدارتها و باعت نصيبها من الارض الزراعية لأحد المزارعين بمبلغ جيد نسبياً وعلي الرغم من قدرتها علي التريث في البيع للحصول علي سعر أعلي لكنها لم يكن لديها القليل من الصبر للخلاص من اي ارتباط بالقرية ولا تطيق الانتظار حتي تحقق حلمها الجديد والاستقرار في قاهرة المعز.
مع بداية العام الدراسي أنشئت فرح حساباً مصرفياً بأحد البنوك الحكومية أودعت فية جميع المبالغ المالية التي تحصلت عليها بنظام الفائدة المصرفية الدورية وبدأت في التحصل علي معاشها المالي بشكل كامل فلم تعد بحاجة لدفع المال لعمها نظير إقامتها في المخزن حيث غادرتة نهائيا وانتقلت للإقامة في بيت الطالبات التابع لجامعة القاهرة أثناء فترة الدراسة علي أن تستأجر لها غرفة سكنية خاصة تقيم بها بمفردها أعلي أحد البنايات مستقبلاً في شهور الاجازة الصيفية
يتبع....